عندما تصبح الشعوب أدوات في يد جلاديها

كتب /شحاته زكريا
في عالم السياسة هناك أمور تفوق الخيال في غرابتها لدرجة أن السينما ذاتها قد تعجز عن تجسيدها. حين نشاهد أفلاما عن السيطرة على العقول قد نظن أنها خيال محض لكن الواقع يؤكد أن هذه التقنيات تُمارس بشكل أكثر تطورًا وتعقيدًا، حيث تتحول مجتمعات بأكملها إلى أدوات تُحركها قوى خفية دون أن تدرك حجم الخديعة التي وقعت فيها.
ما يحدث ليس مجرد بروباغندا عابرة بل عملية “تنويم مغناطيسي جماعي” يُستبدل فيها وعي الشعوب بأوهام مصطنعة تجعلها تسير طواعية في طريق الفوضى والتدمير الذاتي. لا يحتاج الأمر إلى ساحر يقف أمام الضحايا ويردد تعاويذ غامضة بل يكفي أن تُدفع العقول إلى حالة من الاستقطاب الحاد والتخدير الذهني حتى يتولى كل فرد مهمة تدمير نفسه بنفسه معتقدًا أنه في طريق الخلاص.
تكرار الرسائل الإعلامية تزوير الحقائق خلق أعداء وهميين وإعادة كتابة التاريخ… كلها أدوات تُستخدم ببراعة لتحويل الشعوب إلى جنود في حروب لا تخصها يقاتلون بضراوة دفاعًا عن قضايا زُرعت في أذهانهم ، بينما اللاعبون الحقيقيون يديرون المشهد من خلف الستار ، مستمتعين بالفوضى التي صنعتها أيديهم.
المفارقة أن من يقع في هذا الفخ لا يرى الحقيقة ، بل يصبح هو ذاته جزءًا من المنظومة التي تخدعه. يتعامل مع الوهم كأنه واقع ويرفض أي محاولة لإفاقته لأنه مقتنع أنه وحده من يرى الحقيقة، بينما الجميع مخدوعون. إنه أسير فكرة وسجين قناعات صُنعت له حتى بات يدافع عنها كما لو كانت قدره المحتوم.
وسط هذا العبث هناك من نجح في الإفلات من المصيدة، ليس لأنه لم يكن مستهدفًا بل لأنه امتلك الوعي الكافي لرفض الخضوع لهذه اللعبة. حين حاولت جماعة الإخوان المسلمين تكرار هذا السيناريو في مصر اصطدمت بشعب أدرك مبكرا أن المعركة ليست في مصلحته فأفشلها قبل أن تتحول إلى كارثة.
واليوم بعد سنوات من الدمار الذي طال دولًا سقطت في فخ التنويم المغناطيسي السياسي، يظل السؤال: متى تستيقظ الشعوب المخدَّرة؟ متى تدرك أن معاركها الحقيقية ليست داخل حدودها وأن أعداءها ليسوا أولئك الذين تقاتلهم، بل من خدعوها ودفعوها لهذا المصير؟
التاريخ لا يرحم ومن يُخطئ الاختيار يدفع الثمن ، ليس فقط من حاضره بل من مستقبل أجياله القادمة. والخروج من هذا النفق لا يكون بمزيد من العنف ، بل بالوعي لأن الحقيقة التي لا يراها المأسورون داخل هذه اللعبة هي أنهم ليسوا أبطالا لقضية بل مجرد وقود لنار أشعلها غيرهم ولن يُبالي أحد إن احترقوا بها.