العقل العربي بين الانفجار والانحدار

لطالما كانت الأمة العربية مسرحا للصراعات والتحولات الكبرى ، لكن ما نشهده اليوم ليس مجرد أزمات عابرة أو حروب تقليدية، بل هو صراع وجودي على هوية العقل العربي نفسه. فهل نحن أمام نهضة فكرية جديدة تُعيد رسم المسار أم أننا نغرق في دوامة من التكرار العقيم؟
التاريخ يُخبرنا أن الأمم التي لا تستوعب دروسها محكوم عليها بإعادتها، ولكن العرب لم يعودوا فقط يكررون أخطاءهم بل يطورونها! في الماضي كان الانقسام عقائديا أو قبليًا أما اليوم فهو مزيج من الانتماءات المشوهة حيث تختلط الطائفية بالمصالح السياسية ويصبح الدين أداة للتعبئة لا للبناء بينما الاقتصاد مجرد رهينة للمساومات الكبرى.
إنَّ المذهبية السياسية التي تمزق أوطاننا ليست سوى انعكاس لمعضلة أعمق: فقدان القدرة على التفكير النقدي. فبدلا من البحث عن حلول جذرية نُعيد تدوير الشعارات البالية ونُعيد إنتاج نفس القيادات التي سقطت مرارًا. إننا نعيش في عالم يُكافئ الصوت الأعلى لا الفكرة الأذكى حيث أصبح الصراخ استراتيجية والتضليل فنًّا والانفعال وقودًا يُحرك الشارع.
ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمات سياسية أو اقتصادية ، بل هو أزمة وعي. لا يمكننا أن نلوم “المؤامرات الخارجية” بينما نحن أول من يفتح لها الأبواب. لا يمكننا أن نشتكي من الاستعمار الحديث ونحن نُعيد إنتاج أدواته داخل مجتمعاتنا، عبر أنظمة تقتل الإبداع ، وتُقدّس الجمود، وتُحارب التغيير باسم الاستقرار.
في ظل هذا المشهد هل هناك أمل؟ بالتأكيد لكن الأمل لا يولد من الفراغ. إنه يحتاج إلى عقلية جديدة ترفض الخطاب الشعبوي وتكسر دوائر التعصب وتبحث عن المعرفة بدلا من الاكتفاء بتكرار المقولات الجاهزة. يحتاج إلى شباب قادر على التفكير المستقل وعلى رؤية العالم بعيون ناقدة لا بعيون مُبرمجة.
إن التغيير لا يبدأ من القمم بل من القواعد. فإذا لم ينهض الفرد العربي من سباته الفكري ، فلا جدوى من أي تغيير سياسي. وإذا لم تتحرر العقول فستبقى الأوطان سجينة الماضي. نحن لسنا بحاجة إلى زعيم مُخلِّص بل إلى نهضة فكرية تُعيد للعقل العربي دوره المفقود. وإلا فسنظل ندور في نفس الدائرة نكرر الأخطاء ذاتها ونبحث عن الأمل في أماكن لم يكن موجودا فيها أبدا