لنكن شمسًا لأولاد الشمس

لنكن شمسًا لأولاد الشمس
بقلم د. غادة فتحي الدجوى
في عالمٍ يزداد قسوةً كل يوم، تبرز قصص أولئك الذين وُلدوا تحت ظروف قاسية، ليُحكَم عليهم بالعيش في ظلّ غياب الحنان والأمان. مسلسل “أولاد الشمس” لم يكن مجرد عمل درامي، بل كان صرخة مدوية تعري واقعًا مؤلمًا يعيشه كثير من الأطفال في دور الأيتام، خاصة أولئك الموهوبين الذين يحملون في داخلهم بذور العظمة، لكنّها تذبل تحت وطأة الإهمال والانتهاكات. إنه ليس مجرد سرد لمعاناة، بل دعوة صريحة لنا جميعًا كي ننتبه، نتحرك، ونغير مصير هؤلاء الذين يمكن أن يصنعوا مستقبلاً مشرقًا لو أُعطوا الفرصة.
الأطفال في دور الأيتام، وخاصة الموهوبين رياضياً أو فنياً، يواجهون معركة مزدوجة: معركة ضدّ بيئة قد لا ترحم، ومعركة داخلية ضدّ اليأس الذي يتسلل إلى قلوبهم حين يجدون أن أحلامهم لا تجد من يتبناها. في “أولاد الشمس”، رأينا كيف يمكن لطفلٍ موهوب أن يتحول إلى ضحية، ليس بسبب نقص قدراته، بل بسبب غياب من يمدّ له يد العون. كم من أبطالٍ محتملين ضاعوا في زحام الإهمال؟ كم من مواهبٍ أُزهقت لأن أحدًا لم يلتفت إليها؟ المسلسل يضعنا أمام مرآة قاسية، لكنها ضرورية، لأن التغيير يبدأ بالاعتراف بالمشكلة.
الانتهاكات الجسدية والنفسية التي يتعرض لها بعض هؤلاء الأطفال ليست مجرد جرح عابر، بل هي ندوب قد تظلّ مؤثرة طوال العمر. لكن الأخطر من الانتهاك نفسه هو قتل الأمل بداخلهم. فحين يُمنع الطفل من تطوير موهبته، أو يُهمَل بحجة أنه “مجرد يتيم”، فإننا لا نقتل حاضره فقط، بل نحكم على مستقبله بالظلام. الرياضي الصغير الذي يحلم بأن يصبح بطلًا، أو الفنان الذي يمتلك موهبة خارقة، قد ينتهي به المطاف إلى الضياع إذا لم يجد من يوجه طاقته التوجيه الصحيح. هنا يأتي السؤال الأهم: ماذا لو حوّلنا هذه الدور من أماكن للحفظ إلى منصات للإطلاق؟ ماذا لو استثمرنا في أحلام هؤلاء الأطفال بدل أن ندفنها تحت ركام الروتين واللامبالاة؟
التجارب أثبتت مرارًا أن الكثير من العظماء خرجوا من رحم المعاناة، لكنهم ما كانوا ليكتبوا نجاحاتهم لولا وجود من آمن بهم. الطفل اليتيم الموهوب لا يحتاج إلى الشفقة، بل يحتاج إلى الفرصة. يحتاج إلى مدرب يكتشف موهبته الرياضية ويصقلها، إلى معلم يرى في عينيه شغف التعلم، إلى داعمٍ يمنحه الثقة بأنه قادر على صنع الفارق. لو تلقى أبطال “أولاد الشمس” هذا النوع من الدعم، لربما تحولت مآسيهم إلى ملاحم نجاح. الفرق بين الضياع والتفوق هو مجرد يد تمتد، عين ترى، وقلب يؤمن.
لكن المسؤولية لا تقع على عاتق المؤسسات الرسمية فقط، بل على المجتمع بأكمله وبخاصة مؤسسات المجتمع المدني. كل منا يمكن أن يكون جزءًا من الحل، سواء بالتطوع، بالتبرع، أو حتى بالضغط من أجل تحسين ظروف هذه الدور. كم من موهبة قد تنقذها منحة دراسية؟ كم من حلم قد يتحقق بفضل رعاية أسرة بديلة؟ كم من طاقة كامنة قد تتفجر لو وجدت البيئة المناسبة؟ الأسئلة كثيرة، لكن الإجابة واحدة: التحرك الآن قبل فوات الأوان.
في النهاية، “أولاد الشمس” لم يقدم لنا فقط قصة درامية، بل قدم لنا رسالة إنسانية عميقة: كل طفل، بغض النظر عن ظروفه، يستحق أن يجد شمسه الداخلية ويُشرق بها على العالم. الموهبة لا تعرف حدودًا، ولا تميز بين غني وفقير، يتيم وغير يتيم. لكنها تحتاج إلى من يحميها، يصقلها، ويطلقها. علينا ألا ننتظر حتى تتحول المواهب إلى إحصائيات عن الأطفال الضائعين، بل يجب أن نكون شمسًا لأولئك الذين حُرموا من الدفء. لأن مستقبل أي أمة لا يُبنى بإهمال أطفالها، بل باستثمار طاقاتهم، خاصة أولئك الذين وُلدوا في الظل، لكنهم يحملون في داخلهم نورًا يمكن أن يضيء للعالم كله.
لنكن شمسًا لأولاد الشمس
كل طفل في دار أيتام يحمل قصة، وكل موهبة مهمشة هي طاقة مهدرة. مسلسل أولاد الشمس يوقظ ضميرنا ويذكرنا بأنه بإمكاننا أن نصنع الفرق. لنعمل معًا لاكتشاف هذه المواهب، نوجهها، ونمنحها الأمل. لأن كل طفل يستحق أن يجد شمسه الداخلية، ويُشرق بها على العالم.
“الموهبة بدون دعم كالشمس خلف السحاب… لن تشرق أبدًا إلا إذا أزلنا الغيوم.”
فلنكن يدًا تزيل الغيوم عن حياة هؤلاء الأطفال، ولنصنع منهم نجومًا متألقة في سماء النجاح.