في زمن انكماش الكبار… مصر أمام فرصة لتوسيع الدور وتغيير المصير

منذ منتصف القرن العشرين شكّل النظام التجاري متعدد الأطراف مظلة آمنة نسبيا لتفاعل الاقتصادات حول العالم. وكانت الولايات المتحدة محور هذا النظام تضع القواعد وتراقب الالتزام وتوزع الامتيازات بما يخدم مصالحها. لكن يبدو أن قطار العولمة الذي قادته واشنطن لعقود ، قررت اليوم أن تفرم مكابحه وأن تعيد رسم ملامح اللعبة.
الإجراءات الأميركية الأخيرة بفرض رسوم جمركية متصاعدة على واردات الصين وإطلاق قوانين لدعم الصناعات الوطنية بمئات المليارات ، تكشف بوضوح أن واشنطن لم تعد ترغب في دور “القاضي الدولي”، بل تسعى لأن تصبح “لاعبا حرا” في ساحة تغلب عليها الحمائية والنزعة القومية الاقتصادية.
هذه التحولات – وإن بدت كارثية في ظاهرها – تفتح الباب أمام نظام أكثر تنوعا لا يتمحور حول عاصمة واحدة بل يقوم على شبكات مرنة وتحالفات إقليمية جديدة. وفي قلب هذا التحول تبرز فرصة نادرة أمام دول الجنوب وعلى رأسها مصر لإعادة تعريف موقعها في الاقتصاد العالمي.
فالعالم لم يعد ينتظر تعليمات من واشنطن. الصين، الهند، البرازيل، وإندونيسيا – وغيرها من القوى الناشئة – تضع بصمتها بقوة عبر تعزيز التجارة الإقليمية وتأسيس بنوك تنمية بديلة ، والتمدد في سلاسل التوريد الجديدة. أما مصر فتمتلك من الأدوات والفرص ما يجعلها حلقة وصل محورية بين الشمال والجنوب ، بين التكتلات الإفريقية والصينية والعربية والأوروبية.
لكن الفرصة لا تُستغل بالكلام. ما تحتاجه القاهرة اليوم هو تحرك استراتيجي ذكي يتجاوز منطق “رد الفعل” إلى منطق “القيادة الإقليمية”. لدينا اتفاقيات عملاقة مثل الكوميسا والاتفاقية القارية الإفريقية (AfCFTA) ، ولدينا مناطق اقتصادية واعدة مثل منطقة قناة السويس ، وطاقات شابة قادرة على التحول الرقمي والصناعي.
ينبغي لمصر أن تنخرط في تحالفات موضوعية مع دول الجنوب في مجالات مثل الزراعة الذكية التكنولوجيا النظيفة والتمويل الأخضر. كما يجب أن نعيد بناء سياسات التجارة الرقمية ، ونعزز البنية التشريعية لحوكمة البيانات والتجارة الإلكترونية فهي عملة المستقبل.
لسنا بحاجة لنظام عالمي جديد بالكامل بل لتطوير ذكي للنظام القائم يضمن عدالة المشاركة ويمنح الدول النامية أدوات التفاوض والتموضع وفقا لمصالحها الوطنية. لن يقودنا أحد لهذا الطريق علينا أن نخطوه وحدنا.
لقد تغيّرت قواعد اللعبة وآن لمصر أن تكتب فصلها الجديد فيها.
