الاقتصاد بين الأوهام والحقائق… لماذا نصطدم بالواقع مع كل إصلاح؟
بقلم/شحاته زكريا
لطالما كان الاقتصاد موضوعا للجدل الدائم بين الناس ، حيث تختلط الحقائق بالأوهام ، وتتضارب التوقعات مع الواقع. هناك من يعتقد أن الحل يكمن في الدعم المستمر وآخرون يرون أن الحل الوحيد هو تحرير السوق بالكامل. وبين هذين الاتجاهين تبقى الحقيقة أن الاقتصاد ليس معادلة بسيطة، بل هو شبكة معقدة من القرارات والتوازنات التي تؤثر على حياة الجميع.
لماذا نصاب بالدهشة في كل مرة تتخذ فيها الدولة قرارات اقتصادية حاسمة؟ ولماذا يفضل البعض التعايش مع المشكلات المزمنة بدلا من البحث عن حلول جذرية؟ ربما لأن التغيير مخيف بطبيعته ، أو لأننا اعتدنا على حلول وقتية تمنحنا شعورا زائفا بالاستقرار. ولكن في عالم اليوم لا يمكن لأي دولة أن تعمل بمعزل عن الاقتصاد العالمي، ومصر ليست استثناء
الاقتصاد المصري يواجه تحديات حقيقية بعضها ناتج عن عوامل داخلية مثل تضخم الجهاز الإداري للدولة ، وضعف الإنتاج المحلي ، واعتمادنا المفرط على الاستيراد بينما تأتي التحديات الأخرى من الخارج ، كالأزمات الاقتصادية العالمية، والتغيرات في أسعار الطاقة ، وعدم استقرار الأسواق الدولية. ومع ذلك فإن الحل لا يكمن في الهروب من الواقع أو البحث عن كبش فداء بل في مواجهة المشكلات بواقعية وإيجاد مسارات إصلاح حقيقية.
الإصلاح الاقتصادي ليس رفاهية بل ضرورة لا يمكن تأجيلها. تمامًا كما يحتاج الجسد المريض إلى العلاج فإن الاقتصاد المتعثر يحتاج إلى قرارات حاسمة ، حتى لو كانت صعبة. في العقود الماضية تأجلت العديد من الإصلاحات لأسباب سياسية واجتماعية ما أدى إلى تفاقم المشكلات بدلًا من حلها. وحين حان وقت المواجهة بدا الأمر للبعض وكأنه أزمة مفاجئة رغم أن جذورها تعود إلى سنوات طويلة من التردد.
المثير للتأمل أن البعض لا يزال يرفض التغيير ويتمسك بحلول قديمة لم تعد صالحة لهذا العصر. هل يمكن تحقيق تنمية اقتصادية دون إصلاح هيكلي؟ هل يمكن لدولة أن تحقق الاستقرار دون نظام ضريبي عادل؟ هل يمكن خلق فرص عمل دون تشجيع الاستثمار المحلي؟ هذه أسئلة ينبغي أن نواجهها بجدية بدلًا من البحث عن إجابات مريحة لا تعكس الواقع.
البعض يعتقد أن العودة إلى سياسات الماضي هي الحل، متجاهلين أن العالم تغير وأن الاقتصاديات الكبرى نفسها اضطرت إلى تبني سياسات جديدة لمواكبة المتغيرات. لم تعد هناك دولة تعتمد بالكامل على الدعم الحكومي أو ترفض جذب الاستثمارات الأجنبية حتى الدول التي كانت تتبنى سياسات اشتراكية صارمة، مثل الصين، أعادت هيكلة اقتصادها لتصبح قوة عالمية.
ما تحتاجه مصر ليس مجرد قرارات اقتصادية بل رؤية واضحة لإدارة هذه القرارات بما يحقق التوازن بين الإصلاح والاستقرار الاجتماعي. يجب أن تكون هناك سياسات تدعم الفئات الأكثر تضررًا، ولكن بطريقة ذكية تمنع إهدار الموارد وتضمن وصول الدعم لمستحقيه.
رغم كل التحديات هناك مؤشرات على تحسن الاقتصاد المصري، من زيادة الاحتياطي النقدي إلى ارتفاع معدلات التصدير وتحقيق نمو في بعض القطاعات الحيوية. لكن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالأرقام فقط بل بمدى انعكاسه على حياة المواطنين. التحدي الأكبر هو ضمان أن تؤدي هذه التحولات إلى تحسين مستويات المعيشة، وتقليل الفجوة بين الطبقات ، وخلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.
في النهاية الاقتصاد ليس ساحة للشعارات أو الأمنيات بل هو منظومة تتطلب قرارات جريئة وإرادة حقيقية للإصلاح. لا يمكن لأي بلد أن يحقق نهضة اقتصادية دون مواجهة المشكلات بشجاعة ودون إدراك أن الإصلاح يحتاج إلى وقت وصبر. قد يكون الطريق صعبًا لكن البقاء في مكاننا أصعب، لأن الاقتصاد لا ينتظر أحدًا والعالم يتغير بسرعة، ومن لا يواكب التغيير يظل في مؤخرة الركب.