مقالات وآراء

مصر.. حائط الصد الأخير في معركة تفكيك الشرق الأوسط

تعيش مصر لحظة استثنائية في تاريخها حيث تواجه عواصف سياسية واقتصادية غير مسبوقة وسط إقليم يشتعل بصراعات عابرة للحدود. منذ عقود طويلة.كانت محاولات إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط قائمة، لكنها دخلت مرحلة أكثر شراسة مع مطلع الألفية الجديدة، حين تحول تفكيك الدول إلى سياسة ممنهجة تُدار بآليات حديثة تجمع بين التدخلات العسكرية، والحروب الاقتصادية، والضغوط السياسية، وصناعة الفوضى الداخلية.

في قلب هذه الفوضى ظلت مصر صامدة ، رغم تعرضها لمحاولات عديدة لإدخالها في دوامة الانهيار.كما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن. ومع اندلاع موجات ما عُرف بـ”الربيع العربي”، كانت مصر على حافة السقوط.لكن شعبها اختار طريقًا مختلفًا فاستعاد دولته في 30 يونيو 2013، ليبدأ فصل جديد من المواجهة ضد مشاريع التفكيك التي لم تتوقف لحظة واحدة.

المخططات التي استهدفت مصر لم تكن مجرد مؤامرات عابرة بل كانت جزءًا من مشروع إقليمي أكبر.يهدف إلى خلق كيانات ضعيفة متناحرة تحل محل الدول القوية ، وهو ما فُرض على العراق وسوريا تحت ذرائع مختلفة. البداية كانت بتفكيك الجيش العراقي ، ومن ثم الزج بسوريا في حرب أهلية طويلة استنزفت مقدراتها. أما ليبيا فقد تحولت إلى ساحة للفوضى المسلحة ، بينما ظل اليمن نموذجًا آخر للحروب بالوكالة.

رغم كل هذه الضغوط تمكنت الدولة المصرية من إعادة بناء مؤسساتها وتعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية، واستعادة دورها الإقليمي. لم يكن ذلك سهلًا فقد مرت البلاد بمراحل صعبة واجهت خلالها إرهابًا عابرًا للحدود وحملات إعلامية ممنهجة ، وعقوبات اقتصادية غير مباشرة. ومع ذلك لم تنجح تلك المحاولات في زعزعة استقرار الدولة أو تقويض أسسها.

على المستوى الإقليمي لعبت مصر دورًا حاسمًا في حماية الأمن القومي العربي، حيث تصدت لمحاولات فرض حلول على القضية الفلسطينية تتجاوز الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. كما منعت أي محاولات لفرض واقع جديد في قطاع غزة، رافضة فكرة التهجير القسري التي طُرحت بطرق مختلفة خلال الحروب الأخيرة. لم يكن هذا الموقف مجرد تصريح سياسي، بل تحركت القاهرة على المستويات كافة، سياسيًا ودبلوماسيًا وأمنيًا، للحفاظ على استقرار المنطقة.

في ظل هذه التحديات أصبحت مصر الحاجز الأخير أمام تنفيذ المخططات التي تستهدف تفكيك المنطقة بالكامل. فوجود دولة مركزية قوية ذات جيش رادع واقتصاد متماسك رغم الأزمات وموقع استراتيجي يجعلها نقطة ارتكاز في معادلة الأمن الإقليمي هو ما يعرقل أي محاولة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقًا للأجندات الخارجية.

المواجهة لم تعد فقط عسكرية أو سياسية بل أصبحت حرب وعي وإدراك. فالمعركة الحقيقية اليوم هي معركة الوعي الشعبي وقدرة المجتمعات على التمييز بين الحقائق والدعايات المغرضة التي تستهدف زعزعة الثقة في الدولة. في هذا السياق تدرك مصر أن المعركة طويلة لكنها تملك الأدوات التي تمكنها من الصمود ، ليس فقط من أجل ذاتها بل لحماية التوازن الإقليمي الذي يراد له أن ينهار.

في النهاية ورغم التحديات الضخمة تظل مصر رقماً صعبًا في معادلة الشرق الأوسط غير قابلة للكسر أو الاحتواء. ما يجري اليوم ليس سوى فصل جديد من صراع طويل لكن التاريخ يثبت أن الدول التي تمتلك إرادة البقاء والتطوير هي التي تصمد، ومصر مثال حي على ذلك.

Oplus_131072

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى