تحت الطاولة.. إيران وأمريكا وحدهما

كتب /شحاته زكريا

في صمت لافت ومشهد دبلوماسي خارج المألوف ، جرت مفاوضات بين واشنطن وطهران في العاصمة العمانية مسقط ، بعيدا عن الضجيج الإعلامي وبصورة غير مباشرة، كما طلب الإيرانيون. لكن اللافت في هذا اللقاء لم يكن مكانه ولا أسلوبه.بل من لم يُدع إليه: إسرائيل.
الاستبعاد لم يكن سهوا ولا خطأً بروتوكوليا بل قرارا محسوبا بدقة ، يشير إلى متغيرات عميقة تشق طريقها بهدوء في علاقات الشرق الأوسط المعقدة. أمريكا.التي طالما اعتبرت إسرائيل حليفها الأول في المنطقة ، لم تجد ضرورة لإشراكها في هذا المسار وإيران التي لطالما أُحيطت بالعقوبات والضغوط نجحت في فرض شروطها الأولى: “لا طرف ثالث”.
هذه الخطوة لا تُقرأ بمعزل عن السياق الأوسع. الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب تسعى لصياغة توازنات جديدة ، ليس فقط في الشرق الأوسط بل على مستوى النظام العالمي بأسره. في أقل من عام تحرك ترامب بين روسيا وأوكرانيا، وفتح مسارات تفاوض مع الصين وأدار حرب رسوم جمركية انتهت باتفاق اقتصادي. أما الآن فتبدو طهران هي محطته التالية.
ترامب الذي لا يخفي طموحه في ترك إرث سياسي مختلف يعرف أن أي اتفاق مع إيران يمكن أن يُسجّل باسمه كإنجاز استراتيجي. لكنه لا يريد أن يتقاسم هذا الإنجاز مع أحد لا سيما حكومة نيتانياهو التي تعيش أزمة داخلية وتحاصرها الانتقادات في الداخل والخارج. اللقاء الأخير بين ترامب ونيتانياهو كان باردا ومختزلا بدا فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي أشبه بمن طُلب منه الانتظار في قاعة خارجية.
لكن لماذا كل هذا الحماس الأمريكي لمفاوضات مع إيران؟ هناك ما هو أبعد من النووي. ثمة إرث غير مكتمل بين واشنطن وطهران بدأ أيام الشاه ولم ينقطع بالكامل حتى بعد الثورة. قنوات خلفية ، رجال أعمال، ملفات طاقة، ومصالح استخباراتية، كلها تلعب أدوارا في الكواليس. الإيرانيون يعرفون جيدا كيف تُدار الملفات الكبرى وهم ليسوا هواة في هذا المضمار.
كان محمد حسنين هيكل يقول: “في إيران مدرسة دبلوماسية عريقة لا تُدير الملفات بردود الأفعال بل بالتخطيط طويل الأمد”. وربما لهذا السبب نرى إيران الآن تفرض نفسها على الطاولة العالمية دون أن تطلق رصاصة واحدة. إنها تتفاوض من موقع قوة وتعيد ترتيب أوراق اللعبة في وقت تبدو فيه إسرائيل وكأنها خرجت من الخدمة.
المفاوضات القادمة قد تفتح الباب لتفاهمات جديدة تُعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة. وإذا نجحت.فقد نشهد فصلا جديدا من العلاقات الأمريكية الإيرانية، لن يكون لإسرائيل فيه مقعد دائم.
المعادلات تتغير والأدوار يعاد توزيعها.. والمفارقة أن مَن اعتادت أن تكون في قلب كل مشهد سياسي أصبحت الآن تشاهده من الخارج.