الضريبة الموحدة.. خطوة على الطريق أم مشهد عابر؟

الضريبة الموحدة.. خطوة على الطريق أم مشهد عابر؟
كتب/شحاته زكريا
الرسالة واضحة والنية لا يُشك فيها: الدولة المصرية تسعى بجدية لتخفيف الأعباء عن المستثمرين وخلق بيئة أعمال أكثر تنافسية. هذه كانت الروح التي حملها قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا بتوحيد الرسوم المتعددة المفروضة على المستثمرين في صورة ضريبة واحدة على صافي الأرباح. لكن السؤال الأهم: هل يكفي القرار وحده لتحريك عجلة الاستثمار أم أننا بحاجة لما هو أبعد من ذلك؟
في ظاهر الأمر يبدو القرار تقدما حقيقيا على طريق إصلاح مناخ الاستثمار لاسيما وأن التعدد البيروقراطي في فرض الرسوم كان أحد أكثر الأزمات التي تواجه المستثمر المحلي والأجنبي. فالمستثمر لا يخشى الضريبة العادلة ، بقدر ما يهرب من التعقيد، والغموض، وتضارب الجهات، وكثرة الأبواب التي يُطرق عليها لتسيير إجراء واحد. ولذلك فإن توحيد جهة التحصيل، وتبسيط المنظومة، يعد من زاوية إدارية خطوة مستحقة طال انتظارها.
لكن التجربة المصرية مع ملف الاستثمار تقول إن القرارات وحدها لا تكفي. فالتوجيهات السياسية قد تكون واضحة، لكن الترجمة على الأرض غالبا ما تصطدم بحواجز غير مرئية داخل الأجهزة التنفيذية: موظف يتلكأ، أو إدارة تتمسك بإجراءات تجاوزها الزمن أو نص قانوني لم يصدر له اللائحة التنفيذية بعد. وهنا تحديدا، يقع الفارق بين الإرادة والتطبيق.
الأهم من القرار هو تأسيس ثقافة جديدة داخل الجهاز الإداري للدولة ، تقوم على رؤية اقتصادية منفتحة تُعلي من قيمة الشفافية والتنافسية. فالمستثمر لا يطلب إعفاءات بقدر ما يطلب وضوحا في القواعد وسرعة في الأداء وعدالة في المعاملة. كما أن تطبيق الضريبة الموحدة سيحتاج إلى آليات دقيقة لحساب الأرباح ومراقبة التهرب الضريبي دون أن يتحول الأمر إلى عبء رقابي جديد يُعيدنا لنقطة الصفر.
أيضا يجب أن ننظر إلى هذا القرار كجزء من منظومة أشمل لا كخطوة منفردة. فالضريبة الموحدة وإن كانت تبسط المعادلة لن تكون كافية لجذب استثمارات نوعية دون إصلاح جذري في ملف الأراضي الصناعية وتوفير الطاقة بأسعار تنافسية ، وربط الحوافز الاستثمارية بالأداء الفعلي لا بالموقع الجغرافي أو العلاقات الشخصية.
ومن المهم ألا نغفل أن الاقتصاد الحديث لا يُدار فقط بالأوامر والقرارات، بل بالثقة. والثقة تُبنى حين يرى المستثمر أن القانون يطبق على الجميع وأن السوق لا يتحكم فيه “الكبار فقط”، وأن الدولة لا تنافس القطاع الخاص بل تُمهد له الطريق. وهنا تحديدا يُصبح جوهر الرسالة السياسية أكثر أهمية من شكلها وتصبح سرعة تنفيذ القرار هي المؤشر الحقيقي على صدق النوايا.
لقد أعلنت الدولة من قبل عن مبادرات كثيرة لتسهيل الاستثمار ، لكنها كثيرا ما اصطدمت بجدار الجمود البيروقراطي. المطلوب الآن ليس فقط الحوافز بل الضمانات. ليس فقط التشجيع بل الشراكة. وليس فقط قرارات من القمة، بل تغييرات من القاعدة.
الضريبة الموحدة خطوة على الطريق .. نعم. لكن الطريق ما زال طويلا ويحتاج إلى بنية مؤسسية مرنة ، وعقل إداري جديد ، ومظلة قانونية تضمن الاستقرار طويل الأمد. فقط عندها ستتحول الرسائل إلى ثقة، والثقة إلى استثمار، والاستثمار إلى نمو حقيقي يشعر به الناس لا فقط تقرأه النشرات الاقتصادية.