صحف وتقارير

حرية الصحافة بين مطرقة الرقابة وسندان الذكاء الاصطناعي هاله المغاورى فيينا

في مشهدٍ يعكس رمزية الموقع وأهمية المناسبة، شهد مقر الأمم المتحدة في فيينا، يوم 5 مايو 2025، احتفالًا رسميًا باليوم العالمي لحرية الصحافة، نظّمته منظمة UNCAV الدولية بالتعاون مع مؤسسة ENFiD-Austria، تحت شعار يحمل بُعدًا تكنولوجيًا:
“التقارير في العالم الجديد الشجاع: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل حرية الصحافة والمشهد الإعلامي.”
فعالية هذا العام لم تكتفِ بالتكريم الرمزي للصحفيين، بل كانت بمثابة وقفة تأمل وتحذير في آنٍ واحد، من مستقبل يُعيد رسم علاقة الإعلام بالحقيقة، في زمن يتقاطع فيه تطور التكنولوجيا مع تصاعد التضييقات السياسية والرقابية على حرية الكلمة.
افتُتحت الفعالية بكلمة الإعلامية ماريسيل روجاس، رئيسة ENFiD-Austria وعضو مجلس إدارة UNCAV، التي دعت الحضور للوقوف دقيقة صمت تخليدًا لأرواح الصحفيين الذين فقدوا حياتهم دفاعًا عن الحقيقة. وقدمت روجاس البرنامج بأسلوب يجمع بين المهنية والامتنان، مؤكدة أن الصحافة باقية رغم المحاولات المستمرة لإسكاتها.
ثم تبعها كلمة رئيس منظمة UNCAV، عبدالله شريف، التى كانت مؤثرة حيث ذكّر فيها بأن الصحفي اليوم لا يواجه فقط رصاص الميليشيات والقنابل في مناطق النزاع، بل أيضًا الخوارزميات الذكية التي قد تُعيد تشكيل الحقائق أو تُقصيها، مهنئًا الصحفيين حول العالم، ومشددًا على أن حماية الصحافة الحرة هي واجب دولي.
اللافت في الحفل، كلمة سونيا وينترسبيرجر من إدارة نظام معلومات الأمم المتحدة، التي قرأت رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، جاء فيها:
“حرية الشعوب تبدأ من حرية الصحافة. وعندما يُمنع الصحفي من أداء عمله، نخسر جميعًا.”وحذّر غوتيريش من الارتفاع الحاد في استهداف الصحفيين، خاصة في مناطق النزاعات، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدّين، قد يُستخدم لتعزيز أو قمع حرية التعبير، بحسب نوايا المستخدمين وسياقاتهم.
الفعالية ضمّت مداخلات لصحفيين وخبراء، أبرزهم الصحفية ساشكا زوركوف، التي تحدثت عن تحديات العمل الإعلامي في أوروبا، وقدّمت مجموعة من الفنانين البلغاريين الذين أضفوا على الأمسية طابعًا ثقافيًا عابرًا للحدود.
وفي جانب أكاديمي، ناقشت كل من سارة جوزيل روجاس وأليساندرا إنجي زوركوف قضايا الإعلام الرقمي، والتضليل المعلوماتي، وحقوق الصحفيات، في وقت باتت فيه وسائل التواصل منصات مزدوجة التأثير: تنشر الحقيقة كما تنشر الفوضى.
وفي ختام الفعالية، ألقى الأمين العام لمنظمة UNCAV، هيرمان كرويهير، كلمة شدد فيها على أن حرية الصحافة ليست مجرد شعار سنوي، بل هي معركة يومية تستحق الدعم القانوني والسياسي والمجتمعي، داعيًا إلى تعزيز البنية المهنية والمؤسساتية للإعلام الحر كشرط أساسي لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
ما ميّز احتفال هذا العام هو التركيز غير التقليدي على مستقبل حرية الصحافة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي. طرحُ هذا المحور لم يكن عبثيًا، بل جاء مدفوعًا بسياق عالمي يعيد تعريف من هو الصحفي، ومن يملك الحق في صياغة “الرواية الرسمية”. بين الحضور، كان القلق من التكنولوجيا واضحًا… لكن الإرادة كانت أوضح: الصحافة لن تموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى