النرجسي…مصطلح يعني شرير مغلف بالسيلوفان

“النرجسي”…مصطلح يعني “شرير مغلف بالسيلوفان”
بقلم /هند الصنعاني
في السنوات الأخيرة، تسللت كلمة “نرجسي” إلى الخطاب اليومي بكثافة لافتة، حتى باتت تطلق على كل من يتصف بالخداع أو القسوة أو الأنانية المفرطة، لم تعد الكلمة حكرا على المختصين في علم النفس، بل أصبحت مصطلح اجتماعي رائج يستخدمه العامة لتفسير السلوك المؤذي.
مصطلح “النرجسية” في الأصل تشير إلى اضطراب في الشخصية يتسم بالتضخم الذاتي المفرط، والحاجة الدائمة للإعجاب، وانعدام القدرة على التعاطف، لكن في أيامنا هذه، تم تبسيط هذا المصطلح واختزاله إلى مجرد صفة للشرير، المعقد والمخادع.
هذا الاستخدام المفرط والسطحي للكلمة أدى إلى ظاهرة يمكن وصفها بتجميل الشر، أو تغليفه بورق السيلوفان، يضفي عليه لمعة تواكب الحداثة، فحين نصف الشخص المؤذي بأنه “نرجسي”، فإننا نمنحه غلافا يحجب قسوته الحقيقية، ونلتمس له الأعذار باعتباره “مريضا نفسيا” بدلا من مساءلته أخلاقيا، فاستخدام مصطلح “نرجسي” بدلا من “متلاعب” أو “خبيث” أو “شرير”أو “غدار”، يبدل الموقف الأخلاقي بموقف نفسي، وقد يربك الضحايا ويجعلهم يتساءلون إن كان ما تعرضوا له ناجما عن خلل مرضي لا حول فيه ولا قوة، أم عن نية سوء أو تصميم على الأذى.
الحقيقة أن ليس كل غدار أو خائن أو حتى منافق هو إنسان “نرجسي”، وليس كل نرجسي “شيطان”، وليس من العدل اختزال المعاناة الإنسانية بمفردات لا تحمل معناها الكامل، نحن بحاجة إلى كلمات تصف الشر بما هو عليه، لا بما يخفف من وقعه، فالوضوح في التسمية هو أول طريق لمواجهة الظلم، والانتصار للضحايا.
قد تكون “النرجسية” مصطلحا علميا دقيقا في مكانه، لكنها في غير موضعها تتحول إلى ستار لغوي، يجمل القبح ويواريه خلف مصطلحات عصرية، وبينما يواصل الناس تداول الكلمة في كل نقاش، يبقى السؤال الأهم هل نصف الشر والخداع والتلاعب بدقة، أم نغلفهم بورق السيلوفان….!