صدام القرن بين ايران واسرائيل هل هى لحظة تحول في الشرق الأوسط؟ – هاله المغاورى فيينا

دخل الصراع بين إيران وإسرائيل مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الشرق الأوسط، بعدما تحوّل من حرب ظلٍّ وخطابات وتهديدات متبادلة، إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين قوتين إقليميتين تتنافسان منذ سنوات على النفوذ، وتتصادمان اليوم على الأرض وفي السماء.
في 13 يونيو 2025، أطلقت إسرائيل هجومًا جوّيًا واسع النطاق استهدف منشآت عسكرية ونووية داخل الأراضي الإيرانية، تحت عنوان “عملية أسد الغضب”. وقد طال القصف مواقع في طهران، أصفهان، تبريز وناتانز، مخلفًا دمارًا واسعًا في البنية التحتية واغتيال قيادات عسكرية رفيعة أبرزهم رئيس الأركان الإيراني علي شدماني وقائد الحرس الثوري حسين سلامي.
من جانبها، ردّت إيران بإطلاق موجات من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بعضها من طرازات جديدة مثل “فتح” و”قاسم بصير”، باتجاه أهداف داخل إسرائيل، منها تل أبيب وحيفا. لكن أنظمة الدفاع الإسرائيلي، وعلى رأسها القبة الحديدية و”مقلاع داوود”، تمكنت من اعتراض معظم الهجمات، في وقت لا تزال فيه الغلبة الجوية لإسرائيل.
على الأرض، يواجه المدنيون في كلا البلدين ثمنًا باهظًا.في إيران، فرّ آلاف المواطنين من طهران ومدن أخرى وسط حالة من الذعر ونقص الوقود وتعطل الإنترنت، في مشهد يُذكّر بأيام الحرب العراقية الإيرانية. وقد أعلنت طهران عن سقوط أكثر من 220 قتيلاً مدنيًا حتى الآن. أما في إسرائيل، ورغم فاعلية منظومات الدفاع الجوي، فقد قُتل 24 شخصًا وأُصيب عشرات نتيجة سقوط صواريخ، خصوصًا على أطراف المناطق السكنية في الشمال والوسط.
نجحت إسرائيل، خلال الأيام الأولى من الحرب، في تدمير معظم بطاريات الدفاع الجوي الإيرانية، وفرضت سيطرة جزئية على الأجواء الإيرانية، مما منحها حرية تنفيذ ضربات دقيقة دون مقاومة تُذكر.
في المقابل، يبدو أن إيران فوجئت بسرعة وكثافة الضربات، واضطرت لتبنّي تكتيك الرد التدريجي لتفادي انهيار شامل، دون أن تتمكن حتى الآن من فرض توازن ردع حقيقي.
أما أهم ضربة إسرائيلية فكانت استهداف منشأة ناتانز النووية، التي تعرضت لتدمير واسع لأجهزة الطرد المركزي، مما شكل ضربة موجعة للمشروع النووي الإيراني، بينما بقي مفاعل “فوردو” صامدًا تحت الأرض حتى هذه اللحظة، لكنه يبقى تحت التهديد.
الولايات المتحدة، وإن لم تشارك بشكل مباشر، فقد قدمت لإسرائيل دعمًا تقنيًا واستخباراتيًا واسعًا، ودفعت بتعزيزات عسكرية إلى الخليج.
الرئيس الأمريكي أعلن أنه لا يخطط لاستهداف المرشد الأعلى في إيران، لكنه ألمح إلى “قدرة تامة على ذلك إن لزم الأمر”، ما شكل ردعًا سياسيًا علنيًا غير مسبوق.
بينما تُبدي دول الاتحاد الأوروبي قلقها من التصعيد، تطالب بوقف فوري لإطلاق النار والدخول في مفاوضات. ومن جانبها، تراقب روسيا والصين الموقف دون تدخل مباشر، على الرغم من تحذيرات موسكو من “اللعب بالنار في منطقة مشبعة بالسلاح”. كذلك فشلت الأمم المتحدة حتى الآن في إصدار قرار ملزم، وسط انقسام حاد داخل مجلس الأمن.
أمام هذا المشهد المتأزم، تلوح في الأفق ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1. تصعيد إقليمي مفتوح، إذا دخلت قوى مثل حزب الله أو ميليشيات العراق وسوريا على خط المواجهة.
2. استمرار الحرب بشكل محدود مكثف، وهو السيناريو الأقرب حاليًا، حيث يستمر القصف المتبادل دون دخول بري مباشر.
3. تدخل دولي للوساطة، تقوده الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، إذا ما أحكمت إسرائيل قبضتها على الجو وتعرضت إيران لضغوط داخلية أكبر.
ربما تكون هذه الحرب هي الأخطر في الشرق الأوسط منذ عقود، لأنها ليست نزاعًا على حدود، بل على النفوذ الإقليمي، والمشروع النووي، ومستقبل التوازن في المنطقة.
ومع امتلاك كل طرف لأدوات الردع الاستراتيجي – سواء عسكرية أو سياسية – فإن استمرار الصراع دون رادع قد يُشعل المنطقة بأكملها. لكن إن حُسمت المواجهة عسكريًا أو دبلوماسيًا، فقد تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط بالكامل، وتفتح الباب لمرحلة جديدة يكون عنوانها: “إما التوازن.. أو الانفجار”.