رفع العقوبات عن سوريا: انفراجة اقتصادية أم إعادة تأهيل سياسي للنظام؟ هاله المغاورى فيينا

تشهد الساحة السياسية الدولية مؤخرًا نقاشات متزايدة حول إمكانية رفع أو تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب الأهلية التي خلّفت مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين، وأدخلت البلاد في عزلة اقتصادية وسياسية خانقة.
حيث فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى سلسلة من العقوبات الاقتصادية والسياسية على النظام السوري منذ عام 2011، على خلفية ما وُصف آنذاك بـ”قمع النظام للحراك الشعبي السلمي”، وتوسعت لاحقًا لتشمل كيانات وشخصيات عسكرية وتجارية مرتبطة بالنظام، فضلاً عن قيود واسعة على التعاملات المصرفية وتجميد الأصول.
دوافع التحرك نحو رفع العقوبات أو تخفيفها تدريجيًا يأتي في ضوء عدة تطورات:
• تحسّن العلاقات الإقليمية، حيث أعادت دول عربية مثل السعودية والإمارات فتح قنوات دبلوماسية مع دمشق.
• انضمام سوريا مجددًا إلى جامعة الدول العربية في 2023، بعد أكثر من عقد من التجميد.
• الحاجة الإنسانية العاجلة، خصوصًا بعد زلزال فبراير 2023 الذي أعاد تسليط الضوء على الوضع الإنساني المتدهور.
• تغير الأولويات الدولية مع انشغال الغرب بأزمات مثل الحرب في أوكرانيا وملف إيران.
اما من الناحيه الاقتصادية فان رفع العقوبات قد يُحدث تحولًا اقتصاديًا كبيرًا في الداخل السوري، إذ يمكن أن:
• يُعيد التعاملات المصرفية والتجارية مع الأسواق العالمية.
• يُتيح وصول المساعدات الدولية من دون قيود تعرقل عمل المنظمات الإنسانية.
• يُشجع على عودة الاستثمارات، لا سيما في قطاعات إعادة الإعمار والبنية التحتية والطاقة.
• يُحسّن سعر صرف الليرة السورية ويحدّ من التضخم المفرط.
لكن المسألة ليست اقتصادية فقط، بل سياسية بامتياز. فرفع العقوبات قد يُفهم دوليًا على أنه إعادة شرعنة للنظام السوري، رغم عدم تحقق انتقال سياسي أو محاسبة للانتهاكات التي وقعت خلال الحرب.
منظمات حقوقية عدة حذّرت من أن أي تخفيف للعقوبات يجب أن يرتبط بخطوات ملموسة في مجال حقوق الإنسان، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف الاعتقالات التعسفية، وتهيئة بيئة آمنة لعودة اللاجئين.
بين الضرورات الإنسانية والواقعية السياسية، تظل قضية رفع العقوبات عن سوريا محلّ توازن دقيق بين مصالح الدول ومطالب العدالة. فهل يمهد ذلك لبداية انفتاح دولي جديد على دمشق، أم أنه مجرد خطوة تكتيكية في سياق إقليمي ودولي متحوّل؟