مصر واليونان .. شراكة استراتيجية في زمن التحديات العالمية

منذ سنوات أظهرت العلاقات المصرية-اليونانية نموذجا حيا للتعاون المتوازن والمستدام على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية حيث تطور هذا التعاون بشكل لافت منذ عام 2014 تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي. هذا التوجه يعكس إرادة مشتركة لرفع مستوى العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة في وقت يشهد فيه العالم تحديات هائلة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
علاقات البلدين لا تقتصر على الأبعاد الثنائية فحسب بل تمتد لتشمل التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص وهو تعاون يحمل أبعادا استراتيجية خاصة في ظل ما تمر به منطقة البحر الأبيض المتوسط من تغييرات دراماتيكية. وبينما تواصل هذه الدول التناوب على استضافة القمم الثلاثية ، تظهر الثمار الاقتصادية لهذا التعاون عبر اتفاقات ضخمة في مجالات متنوعة مثل الطاقة المتجددة والنقل والسياحة.
زيارة الرئيس السيسي الأخيرة إلى اليونان كانت بمثابة قمة جديدة في هذا التعاون حيث وقع الطرفان على اتفاقية “شراكة استراتيجية” تهدف إلى تعزيز التنسيق السياسي في ظل التحديات الأمنية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط. هذه الاتفاقية لا تقتصر على التعاون الاقتصادي ، بل تشمل أيضا أبعادا سياسية حيوية مثل دعم الاستقرار في منطقة شرق البحر المتوسط والتصدي لتحديات الأمن الإقليمي بما في ذلك مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
الرئيس السيسي أكد في لقائه مع نظيره اليوناني كونستانتينوس تاسولاس على “أهمية تعزيز هذه الشراكة في جميع المجالات”، مشيرا إلى أن المشاريع المشتركة مثل مشروع الربط الكهربائي بين البلدين تمثل تحولا نوعيا في علاقات مصر واليونان. الربط الكهربائي بين البلدين يعكس طموحات مصر في أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة النظيفة وهو خطوة هامة نحو تقوية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في ظل التحولات التي تشهدها سوق الطاقة العالمية.
أما على الصعيد السياسي فقد كان هناك توافق كبير بين البلدين حول القضايا الإقليمية، لاسيما القضية الفلسطينية. فقد دعمت اليونان جهود مصر الرامية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، وهو ما يعكس حجم التنسيق بين القاهرة وأثينا في محاولة لكبح التصعيدات العسكرية وتحقيق الاستقرار في المنطقة. الموقف المشترك بين البلدين يعكس التفاهم العميق والحرص على استقرار المنطقة بعيدا عن أي تدخلات أجنبية قد تهدد مصالح شعوبها.
من الناحية الاقتصادية يواصل البلدان تعزيز تعاونهم في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة ، حيث تسعى مصر إلى تحويل نفسها إلى مركز إقليمي لإسالة الغاز والطاقة المتجددة. وفي هذا السياق، يمثل التعاون مع اليونان أهمية خاصة، حيث تعد الأخيرة بوابة رئيسية لمصر إلى أسواق جنوب أوروبا والاتحاد الأوروبي. هذه العلاقة لا تتوقف عند حدود الطاقة بل تمتد لتشمل مجالات النقل واللوجستيات ما يسهم في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للاستثمار.
ختاما إن زيارة الرئيس السيسي إلى اليونان تمثل خطوة هامة نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ، وهي شراكة تحمل في طياتها آمالا وطموحات أكبر لمستقبل مشترك يقوم على التعاون السياسي والاقتصادي والتنسيق في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. هذه الشراكة بكل أبعادها، تؤكد أن مصر واليونان قد أصبحتا أكثر من مجرد جيران في البحر الأبيض المتوسط ، بل شريكان في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية المستدامة.