مقالات وآراء

الاقتصاد العالمي بين فكيّ الحمائية والفوضى

كتب/شحاته زكريا

Oplus_131072

لم يعد الاقتصاد العالمي يسير وفق نظريات السوق الحرة التي سادت لعقود ، بل أصبح رهينة لسياسات حمائية تثير العواصف أكثر مما توفر الحماية. هذه السياسات التي تتبناها بعض القوى الكبرى لم تخلق سوى اضطراب واسع النطاق، حيث باتت الأسواق تتحرك وفق حسابات سياسية أكثر من كونها اقتصادية والقرارات الحمائية التي يُفترض أن تحمي اقتصادات الدول الكبرى انعكست بآثارها السلبية على الجميع، بمن فيهم أصحابها.

ما يجري اليوم ليس مجرد نزاعات تجارية عابرة بل هو إعادة تشكيل قسرية لقواعد الاقتصاد العالمي حيث لم يعد مبدأ “التجارة الحرة” قاعدة ملزمة بل مجرد شعار يُستخدم عند الحاجة. الدول التي لطالما فرضت على الآخرين فتح أسواقهم تتحول اليوم إلى إغلاق أسواقها أمام الواردات رافعة شعارات السيادة الاقتصادية دون أن تدرك أن هذه السياسات تقود إلى مزيد من التوتر والاضطراب المالي.

العالم شهد في العقود الماضية اندماجا اقتصاديا غير مسبوق جعل من الاستقلال الاقتصادي الكامل وهمًا يستحيل تحقيقه. ومع ذلك فإن القرارات الحمائية الأخيرة تعكس رغبة غير عقلانية في العودة إلى سياسات قديمة أثبتت فشلها في الماضي. فرض الرسوم الجمركية على الواردات ليس مجرد إجراء اقتصادي بل خطوة تحمل تداعيات واسعة على سلاسل التوريد وأسواق المال وأسعار السلع وحتى على استقرار الأنظمة السياسية نفسها.

التأثيرات السلبية للحمائية لا تقتصر على الاقتصاد العالمي فحسب، بل تمتد إلى الداخل حيث تتسبب في ارتفاع الأسعار واضطراب الأسواق المالية وتباطؤ النمو. فالمستهلك الذي كان يأمل في أسعار أكثر استقرارًا يجد نفسه أمام موجة غلاء متصاعدة نتيجة فرض ضرائب غير مباشرة على المنتجات المستوردة. وفي الوقت ذاته فإن الشركات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة تعاني من ارتفاع التكاليف مما يؤثر على قدرتها التنافسية ويقلل من فرص التوظيف والنمو.

أما الأسواق المالية التي تعتمد على الاستقرار والثقة فقد أصبحت ضحية للقرارات العشوائية حيث تتأرجح المؤشرات صعودًا وهبوطًا مع كل تصريح جديد. المستثمرون الذين كانوا يراهنون على بيئة اقتصادية يمكن التنبؤ بها باتوا يواجهون حالة من الفوضى مما يدفع كثيرين منهم إلى التراجع أو البحث عن ملاذات آمنة بعيدا عن المخاطر المتزايدة.

العالم اليوم يقف عند مفترق طرق حيث لم يعد ممكنًا العودة إلى ما كان عليه الوضع في السابق لكن المضي قدمًا في سياسات الحمائية قد يخلق وضعًا أكثر خطورة. الحل لا يكمن في إغلاق الأسواق بل في البحث عن سياسات توازن بين الحاجة إلى حماية الاقتصاد المحلي ، وبين الإبقاء على قنوات التجارة مفتوحة بشكل عادل ومتوازن.

الاقتصاد ليس مجرد أرقام بل شبكة معقدة من العلاقات المتداخلة التي لا يمكن التحكم فيها بقرارات فردية. أي محاولة لفرض الهيمنة الاقتصادية عبر سياسات حمائية قصيرة النظر لن تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى وقد تثبت الأيام أن العاصفة التي بدأت كحرب تجارية قد تتحول إلى إعصار اقتصادي لا يمكن لأحد السيطرة عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى