مقالات وآراء

مفهوم الحرية وأهميتها فى المجتمع – هاله المغاورى فيينا

الحرية قيمة إنسانية عظيمة تعدّ من أسمى الحقوق التي يسعى الإنسان للحصول عليها. فهي ليست مجرد شعار يُرفع، بل مسؤولية تُحمل، وحق يُمارس في إطار احترام الآخرين وعدم الإضرار بالمجتمع. فهى ليست مجرد كلمة تتردد في الخطابات والشعارات، بل هي جوهر الحياة الإنسانية وشرط أساسي لكرامة الفرد وتقدّم المجتمع.
على مر العصور، كان للعديد من الفلاسفة والمفكرين دور بارز في ترسيخ مفهوم الحرية والدفاع عنها، ومنهم من قدّم التضحيات الكبرى لتحقيقها. وكما قال الفيلسوف الفرنسي فولتير: “قد أختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد للموت دفاعًا عن حقك في التعبير عنه”.
احياناً يعتقد البعض أن الحرية تعني الانفلات والفوضى، إلا أن هذا المفهوم خاطئ تمامًا. فالحرية الحقيقية تقوم على قاعدة ذهبية: “أنت حر ما لم تضر”. وهذا يعني أن الحرية ليست مطلقة، بل مقيدة بعدم التعدي على حقوق الآخرين أو تهديد استقرار المجتمع. فالحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن أن توجد إحداهما دون الأخرى. فإذا انفصلت الحرية عن المسؤولية، تحولت إلى فوضى تهدد الأمن والاستقرار، وإذا اختفت المسؤولية، فقدت الحرية معناها الحقيقي.
أما غاندي، الذي قاد الهند نحو الاستقلال، فقد آمن بأن الحرية لا يمكن تحقيقها بالعنف، بل تحتاج إلى قوة أخلاقية وإرادة صلبة، حيث قال: “الحرية التي لا تستند إلى ضبط النفس تهدد بالانهيار”
فعندما تترسخ جذور الحرية في مجتمع ما، فإنها تنمو بسرعة، وتصبح جزءًا أساسيًا من ثقافته وهويته. فالحرية ليست مجرد مطلب مؤقت، بل هي حالة دائمة يجب حمايتها والدفاع عنها. ومع ذلك، فإن الحرية تحتاج إلى قوة تحميها، فكما قيل: “إذا كانت الحرية ضعيفة التسليح فعلينا تسليحها بقوة الإرادة”.
ولعلّ نيلسون مانديلا، الذي أمضى 27 عامًا في السجن من أجل حرية شعبه في جنوب أفريقيا، خير مثال على ذلك. فقد قال: “الحرية لا تُمنح على طبق من ذهب، بل يجب على كل جيل أن يناضل من أجلها”.
كما أكّد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط أن الحرية هي أساس الكرامة الإنسانية، حيث قال: “الإنسان لا يُعامل كوسيلة لتحقيق أهداف الآخرين، بل كغاية في ذاته”، مما يرسّخ مبدأ أن الحرية حق لا يمكن التنازل عنه.
إن الإرادة القوية للأفراد والمجتمعات هي السلاح الأساسي لحماية الحرية من التهديدات الداخلية والخارجية. فالحرية لا تُمنح بسهولة، بل تُنتزع، وعندما تُكتسب يجب الحفاظ عليها عبر الوعي والالتزام.
يرتبط مفهوم الحرية بالحياة ارتباطًا وثيقًا، فهي ليست مجرد حق، بل ضرورة أساسية تجعل للحياة معنى. فقد قيل: “إننا نحب الحياة لأننا نحب الحرية، ونحب الموت متى كان الموت طريقًا إلى الحياة”. هذا يوضح أن الحرية تستحق التضحية، وأن المجتمعات المستعبدة تسعى دومًا لاستعادتها ولو كان الثمن باهظًا.
ورغم أهمية الحرية، إلا أن هناك أولوية أحيانًا لبعض القيم الأخرى، كما في حالة السجن، حيث تكون أول أمنية للسجين هي الحرية، ولكن عند المرض، تصبح الصحة أولوية تفوق الحرية، أما الفيلسوف جان جاك روسو، فقد عبّر عن أهمية الحرية بقوله: “الإنسان يولد حرًا، ولكنه في كل مكان مكبل بالأغلال”، وهو ما يوضح كيف أن الاستبداد والقمع قد يسرقان من الإنسان حقه الطبيعي في الحرية.
إن تحقيق الحرية والمحافظة عليها يتطلبان تضحيات وجهودًا مستمرة، لأن فقدانها يعني فقدان المعنى الحقيقي للحياة.
لقد ضحّى كثير من المفكرين والقادة عبر التاريخ من أجلها، مما يجعلها أمانة في أيدي الأجيال القادمة. وكما قال الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت: “أعظم ما يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه، فهو العدو الأول للحرية”. لذا، يجب أن نؤمن بأن الحرية مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، ونسعى جاهدين لتحقيق الحرية في مجتمعاتنا ولكن ضمن إطار يحفظ حقوق الآخرين ويضمن استقرار المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى