مقالات وآراء

رسالة من المستقبل.. إلى من يقرأ التاريخ!

كتب/شحاته زكريا

في عام 2050 سيجلس أحدهم ليقرأ عن هذا اليوم: السادس من رمضان 1446 هـ السادس من مارس 2025. سيجد وثائق تتحدث عن القمة العربية غير العادية ، عن البيانات التي صدرت ، عن خطط إعادة الإعمار ، عن القرارات الحاسمة. لكنه سيتساءل: هل كانت هذه نقطة تحول حقيقية أم مجرد سطر جديد في قائمة المؤتمرات العربية التي عُقدت ثم نُسيت؟

في ذلك اليوم اجتمع القادة العرب ليواجهوا واحدًا من أخطر التحديات التي مرت بها القضية الفلسطينية. كان المشهد واضحا: غزة تحت القصف منذ شهور سكانها بين الموت والتشريد ، والضفة الغربية تنزف كل يوم. اجتمع العرب وأكدوا موقفا موحدا وأعلنوا رفضهم للتهجير وأقرّوا خطة شاملة لإعادة الإعمار، وأعادوا طرح “حل الدولتين” كطريق لا بديل عنه. لكن السؤال الحقيقي لم يكن في نصوص القرارات ، بل في قدرتها على الصمود أمام الحقائق على الأرض.

لطالما كانت مصر في صدارة المواجهة ، مدركة أن ما يجري في غزة ليس مجرد حرب أخرى بل حلقة جديدة من مخطط طويل لإعادة رسم خرائط المنطقة ، مخطط لا يستهدف فلسطين وحدها بل يهدد كل الدول التي لا تزال متماسكة. مصر التي خاضت كل معارك المنطقة منذ 1948 وحتى اليوم لم تكن ترى في هذه الحرب مجرد أزمة إنسانية ، بل اختبارًا حقيقيًا لما تبقى من الإرادة العربية.

السلام كما قالت مصر لا يُصنع بالأماني ولا يتحقق بالتصريحات. لا يمكن أن يكون هناك استقرار دون تحقيق العدالة ، ولا يمكن أن تُفرض حلول بالقوة ثم يُطلب من أصحاب الحق أن يقبلوها. ما طرحته مصر وما أقرّته القمة لم يكن مجرد خطة إنسانية لإعادة الإعمار بل رؤية سياسية متكاملة، ترفض تصفية القضية تحت أي مسمى وتعيد تأكيد الحق الفلسطيني في أرضه ، وتحذر من أن أي محاولة لفرض حلول قسرية لن تصنع سلاما ، بل ستؤدي إلى مزيد من الصراعات.

لكن ماذا بعد؟ هل ستلتزم القوى الدولية بما تعهدت به؟ هل ستتوقف إسرائيل عن سياسات التهجير والاستيطان؟ هل سيدرك العالم أن استمرار الصراع ليس نتيجة لرفض الفلسطينيين للسلام ، بل نتيجة لاستمرار الاحتلال؟ أم أن كل هذه التحركات ستُدفن تحت ضغط المصالح والحسابات السياسية؟

التاريخ لا يرحم القادة الذين اجتمعوا اليوم ستحكم عليهم الأجيال القادمة، إما باعتبارهم من أنقذوا ما يمكن إنقاذه، أو من أضاعوا الفرصة الأخيرة. القرارات التي صدرت اليوم ستبقى وثائق تُراجع بعد سنوات وسيُطرح السؤال الذي لا مهرب منه: هل كان العرب على قدر المسؤولية؟

لا أحد يملك إجابة قاطعة الآن. لكن ما هو مؤكد أن من لا يصنع الواقع ، سيجده مفروضا عليه. وأن من لا يحدد مصيره بنفسه سيكتشف بعد فوات الأوان أن الآخرين قرروا مصيره بدلاً منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى