
كتب/شحاته زكريا
لم يكن الخروج من أتون الحرب على غزة أمرا يسيرا لكنه كان ضرورة إنسانية وسياسية فرضتها الضغوط الدولية والواقع الميداني. ستة أسابيع من الهدنة لم تمحُ آثار خمسة عشر شهرا من القصف والدمار ، لكنها أوجدت مساحة مؤقتة لالتقاط الأنفاس. ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار تبدو الخيارات المطروحة أكثر تعقيدا ، بين تمديد هشّ أو عودة دامية للمواجهات ، أو مسار سياسي ضبابي لا يزال بعيدا عن ملامح الحل الدائم.
نتنياهو الذي يتلاعب بالوقت والمواقف لم يكن راغبا في الاتفاق من البداية لكنه اضطر إليه تحت ضغوط أمريكية ودولية. ومع انتهاء المرحلة الأولى يعمد إلى المراوغة متحججا بسلوك المقاومة الذي يمنحه ذرائع للتهرب من التزامات الصفقة. وقف المساعدات تصعيد محدود وانتهاكات متواصلة رغم الهدنة، كلها إشارات إلى أن الاحتلال لم يُسلّم بعد بحتمية إنهاء الحرب. لكن معضلة نتنياهو أكبر من غزة. فبقاؤه السياسي مرهون بإدامة الصراع ، لكنه في الوقت ذاته يدرك أن جبهته الداخلية لا تتحمل استمرار الحرب بلا أفق. كما أن وعود ترامب له بإطلاق يده ليست شيكا مفتوحا ، بل مقيدة بحسابات أمريكية لا تريد انفجارا إقليميا لا يمكن السيطرة عليه.
على الجانب الآخر تعاني حماس من مأزق مماثل. فبين خطاب النصر وإدارة واقع ما بعد الكارثة، تجد نفسها أمام تحديات صعبة. الحفاظ على ورقة الأسرى لا يعني شيئا إذا لم يُترجم إلى واقع سياسي أو إنساني لصالح غزة. ومع ذلك لا تزال الحركة تتعامل مع الوضع بنفس اللغة القديمة، دون تقديم رؤية عملية للخروج من النفق. السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي يطالبان بترتيبات جديدة لإدارة غزة.وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون تنازلات حقيقية من المقاومة. استمرار حماس في موقع الحكم يعني بقاء غزة في دائرة العقاب الجماعي بينما انتقال السلطة إلى جهة أخرى قد يكون السبيل الوحيد لفك الحصار واستئناف جهود الإعمار.
الخيار المطروح حاليا هو تمديد المرحلة الأولى ريثما يتم التفاوض على شروط المرحلة التالية. لكن هذا التمديد لا يمكن أن يكون مجرد إعادة تدوير للوضع القائم ، بل يجب أن يتضمن تقدما في الملفات العالقة، خاصة في ما يتعلق بإعادة الإعمار وضمان عدم استئناف العدوان. في المقابل العودة للحرب ستكون كارثية ليس فقط على غزة.بل على إسرائيل أيضا التي لا تملك خطة واضحة ليوم ما بعد التصعيد. استمرار القتال يعني مزيدًا من الانهيار الإنساني في القطاع ، لكنه أيضا يفاقم أزمة نتنياهو ويضعف موقف إسرائيل دوليًا.
لا يمكن بناء حل مستدام لغزة دون الاعتراف بالحقائق الجديدة على الأرض. استمرار الاحتلال في نهج القوة لن يجلب له الأمن كما أن إصرار المقاومة على إدارة القطاع دون توافق وطني سيبقيه رهينة الحصار والدمار. المطلوب اليوم رؤية فلسطينية موحدة تتجاوز الحسابات الفصائلية ورؤية دولية تفرض على الاحتلال احترام حقوق الشعب الفلسطيني المرحلة القادمة ستكون حاسمة. إما أن تتحرك الأطراف نحو تسوية تضمن تهدئة طويلة الأمد مع ترتيبات سياسية جديدة أو أن تعود المنطقة إلى جولة جديدة من الصراع لن يكون فيها منتصر بل المزيد من الدمار والخسائر لكل الأطراف.
