سلاحك في النقاش ليس صوتك العالى بل أخلاقك هاله المغاورى فيينا

الخلاف بين البشر أمر لا مفر منه، فهو نتيجة طبيعية لتعدد العقول واختلاف التجارب والخلفيات. لكن الخلاف في جوهره ليس المشكلة، بل الطريقة التي يُدار بها. فالحوار هو الأداة التي تُتيح لنا مواجهة التباينات وصياغة حلول مشتركة، غير أن هذا الحوار يفقد قيمته حين يتجرد من الأخلاق.
في لحظة الانفعال أو التصعيد، قد يلجأ البعض إلى رفع الصوت، أو التجريح، أو السخرية، ظناً منهم أن ذلك يمنحهم قوة أو نفوذاً أكبر في النقاش. إلا أن الحقيقة معاكسة تماماً؛ فالتخلي عن الأخلاق يخصم من رصيد المتحدث، ويضعف موقفه أمام الآخرين، بل ويُسقط عنه جزءاً من حقوقه المعنوية في أن يُستمع إليه بجدية.
فمن يفتقد لغة الاحترام لا يُنتظر منه أن يُحافظ على العدالة، ومن يتجاوز على كرامة محاوره يفقد بدوره حقه في المطالبة بمعاملة عادلة.
الحقوق ليست مجرد شعارات أو نصوص قانونية، بل هي شبكة من القيم المتبادلة بين الأفراد. حين يتعامل الإنسان بوعي وأخلاق في لحظات الخلاف، فإنه يُرسل رسالة واضحة مفادها: “أنا أحترمك رغم اختلافنا، وأنتظر منك الاحترام ذاته”. لكن حين ينحدر مستوى الحوار إلى الإهانة والتجريح، فإن هذه الرسالة تُستبدل برسالة أخرى تقول: “أنا لا أضع وزناً لحقوقك، وبالتالي لن تُحترم حقوقك بدوري”.
المجتمعات التي تنجح في إدارة خلافاتها بالحوار الراقي هي الأكثر استقراراً وتقدماً، لأنها تُدرك أن الحوار الأخلاقي ليس رفاهية، بل شرط للحفاظ على السلم الاجتماعي. وفي المقابل، فإن غياب الأخلاق في النقاشات العامة أو الخاصة يحول الخلافات الصغيرة إلى أزمات كبيرة، ويجعل الحقوق عُرضة للضياع تحت وطأة الصراع.
الحفاظ على الأخلاق في الحوار ليس ترفاً، بل هو صمام أمان يحمي الإنسان من خسارة حقوقه، ويحمي المجتمع من الانقسام. ومن يعتقد أن الصوت العالي أو الكلمات الجارحة تعزز مكانته، فهو في الحقيقة يُقوّض موقعه ويُفقد نفسه واحترامه فى عيون من يناقشهم . فأثمن من النصر في الخلاف بالصوت العلى والتجريح هو الفوز بإحترام الاخرين لكى تنالوا حقوقكم.