مقالات وآراء

الحرية الاقتصادية والاستثمار الأجنبي.. بين الواقع والمأمول

في خضم التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر يظل الاستثمار الأجنبي المباشر واحدا من أهم محركات النمو والاستقرار. لكن السؤال الأهم هنا ليس عن حجم الاستثمارات التي تدخل البلاد بل عن مدى استدامتها وتأثيرها الحقيقي في تحسين بيئة الأعمال ، وجذب مزيد من رؤوس الأموال. هل نحن أمام اقتصاد منفتح جاذب للاستثمار ، أم أن العقبات لا تزال تحدّ من فرص تحقيق طفرة حقيقية في هذا المجال؟

الحرية الاقتصادية ليست مجرد مؤشر يُقاس في التقارير الدولية، بل هي واقع يعيشه المستثمر يوميًا. البيئة الاقتصادية الجاذبة تعني أن صاحب رأس المال سواء كان محليًا أو أجنبيًا ، يشعر بالأمان عند اتخاذ قراراته. هذا الأمان لا يرتبط فقط بالقوانين بل أيضا بالثبات التشريعي وسهولة الإجراءات وحماية حقوق المستثمرين ووضوح الرؤية المستقبلية. على مدار السنوات الماضية شهدت مصر تحولات كبيرة في سياساتها الاقتصادية منها إصلاحات هيكلية تهدف إلى تعزيز الحرية الاقتصادية ، وتخفيف القيود على الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص. لكن هل انعكست هذه الإصلاحات بشكل ملموس على أرض الواقع؟

الواقع أن الصورة ليست أحادية فهناك جوانب إيجابية لا يمكن إنكارها.مثل التحسن في بعض المؤشرات الخاصة بسهولة ممارسة الأعمال والتوسع في مشروعات البنية التحتية التي توفر بيئة استثمارية أفضل لكن في المقابل ، لا تزال هناك تحديات تؤثر على ثقة المستثمرين. أبرز هذه التحديات هو تداخل البيروقراطية مع الاستثمار وهو أمر لا يتعلق فقط بالقوانين بل بالثقافة الإدارية نفسها. لا يمكن لأي مستثمر أن يغامر بضخ أمواله في بيئة يسيطر عليها التعقيد في الإجراءات أو الغموض في التشريعات.

الاستثمار الأجنبي ليس مجرد تدفقات مالية بل هو شهادة ثقة في الاقتصاد. عندما يرى المستثمرون أن السوق المصري يوفر فرصًا حقيقية وأن حقوقهم مصونة وأن العوائد التي يحققونها لا تعيقها تعقيدات إدارية أو ضرائب غير واضحة، فإن تدفق رؤوس الأموال يصبح أمرًا طبيعيًا. لكن حين يكون المستثمر في حالة ترقب دائم بسبب تغييرات مفاجئة في القوانين أو عدم وضوح السياسات الاقتصادية فإن الثقة تتآكل حتى لو كانت هناك فرص مغرية.

واحدة من النقاط التي لا يمكن إغفالها هي العلاقة بين المستثمر المحلي والمستثمر الأجنبي. لا يمكن الحديث عن جذب استثمارات خارجية إذا كان المستثمر المحلي نفسه يعاني من العراقيل. فالمناخ الاستثماري الجيد لا يعني فقط تقديم حوافز للأجانب بل يعني وجود نظام اقتصادي متكامل يُشعر الجميع بالعدالة والمنافسة النزيهة. حين يجد المستثمر المحلي أن بيئة الأعمال في بلده تدعمه سيكون ذلك أكبر دليل على جدية الإصلاحات الاقتصادية والعكس صحيح.

هناك عامل آخر مؤثر في هذا الملف وهو ثبات السياسات الاقتصادية. كثير من المستثمرين ينظرون إلى القرارات الحكومية على المدى الطويل لأن أي استثمار يحتاج إلى استقرار في الرؤية والاتجاهات الاقتصادية. إذا كانت السياسات متغيرة وغير واضحة فإن المستثمرين يفضلون الانتظار أو البحث عن أسواق بديلة أكثر استقرارًا.

إضافة إلى ذلك لا يمكن تجاهل دور التشريعات في تعزيز أو تقويض الثقة الاستثمارية. قوانين الاستثمار يجب أن تكون مرنة، لكنها في الوقت نفسه يجب أن تكون واضحة ولا تتغير بشكل مفاجئ. كثير من الدول التي حققت نجاحات كبيرة في جذب الاستثمار ركزت على فكرة الشفافية التشريعية حيث يكون المستثمر على دراية تامة بما له وما عليه دون مفاجآت قد تؤثر على قراراته المالية.

إن الحديث عن الحرية الاقتصادية لا يعني فقط تحرير الأسواق ، بل يعني خلق بيئة يستطيع فيها الجميع المنافسة بشكل عادل. السوق المصرية لديها إمكانيات هائلة ، وتتمتع بموارد وعوامل جذب كثيرة لكن التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على إزالة العقبات التي تجعل المستثمر يفكر مرتين قبل ضخ أمواله.

النمو الاقتصادي الحقيقي لا يعتمد فقط على الأرقام والإحصاءات بل على مدى شعور المستثمرين بالأمان والثقة في المستقبل. وحين تكون البيئة الاقتصادية داعمة فإن المستثمر الأجنبي لن يكون بحاجة إلى حملات ترويجية لإقناعه بالقدوم، بل سيأتي بنفسه بحثًا عن الفرصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى