مقالات وآراء

البوصلة لا تكذب.. لماذا تتجه الاستثمارات الكبرى نحو مصر؟

كتب /شحاته زكريا

في عالم يضجّ بالتقلبات السياسية والاقتصادية وفي زمن تتغير فيه خرائط النفوذ والثروة، تبقى “البوصلة” الأصدق دائما هي حركة رؤوس الأموال واتجاه الاستثمارات العالمية. فالمستثمر لا يراهن على الأمنيات ولا يغامر بالشعارات بل يتحرك خلف مؤشرات الثقة والبنية المتماسكة والفرص القابلة للنمو. ولهذا حين تتجه أنظار المستثمرين الكبار نحو مصر علينا أن نقرأ الأمر كما هو: الاستثمار لا يُجامل.. والبوصلة لا تكذب.

لم تكن مصر يوما دولة طارئة في الإقليم لكن الجديد اليوم أن تكون في صدارة أولويات الاستثمار العالمي ، لا بسبب موقعها الجغرافي فقط بل لأنها بدأت في التأسيس لنموذج تنموي متكامل يعيد صياغة دور الدولة في الاقتصاد ويمنح القطاع الخاص فرصا أوسع ، ويحمي قواعد اللعبة دون خلل أو ارتباك.

حين ترى شركات عالمية كبرى وصناديق استثمار سيادية،
وبنوكا إقليمية تسارع لتأمين موطئ قدم في السوق المصرية فأنت لا تقرأ مجرد أرقام بل تشهد شهادة ثقة تُمنح لاقتصاد بدأ يتخلى عن العشوائية ويتجه بثبات نحو الاستدامة.

ما يحدث اليوم من توسع في المناطق الصناعية ومن نهضة عمرانية غير مسبوقة ومن ربط لوجستي بين الموانئ والمناطق الحرة ليس مجرد تجميل لصورة بل تهيئة واعية لمساحات جذب حقيقية . مصر لا تبيع وعودا بل تعرض واقعا قيد الإنجاز ونجاحات يمكن قياسها وأرضا تحتضن الإمكانيات والفرص لا الأزمات والمخاطر.

ولعل أحد أسرار هذا الزخم الاستثماري هو أن مصر لا تتعامل مع المستثمر بوصفه “ضيفًا”، بل شريكا استراتيجيا في الرؤية ومكونا أساسيا في خطط النمو. فالقوانين الجديدة، والحوافز الضريبية، والمنصات الرقمية الموحدة لتسجيل المشروعات ومناخ تقليل البيروقراطية جميعها رسائل حقيقية بأن الدولة لم تعد تُفكّر وحدها بل تُخطّط وتُنجز بالشراكة.

الأهم أن المستثمر لا يثق في الاقتصاد فقط بل في الاستقرار السياسي. وفي هذا الملف تحديدا تقدم مصر واحدة من أكثر التجارب ثباتا في العقد الأخير وسط محيط عربي ودولي مشتعل. فالقرار السياسي لا يتذبذب.والرؤية لا تتغير كل عام والمؤسسات تمضي نحو التماسك لا التهالك.

الأسواق لا تستقر على “الضجيج” بل تقرأ بهدوء أين يمكن للمال أن يُنبت فرصا. وهنا تتحدث الأرقام: مشروعات عملاقة في البنية التحتية مدن ذكية توسع غير مسبوق في الطاقة النظيفة حضور قوي في الممرات البحرية العالمية، وصعود واضح في تصنيفات مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية. مصر لا تعيش على صدى الماضي ، بل تبني حاضرا قابلا للتصدير.

ولعل ما يميز التجربة المصرية الآن أنها تسير على مسارين في آن: مسار إصلاح داخلي دؤوب ومسار انفتاح إقليمي ودولي محسوب. فهي لا تنغلق على نفسها ولا ترهن قرارها بل تبني جسورا مع الشرق والغرب ، من الخليج إلى الصين، ومن أوروبا إلى إفريقيا، في سياسة لا تنحاز إلا إلى مصلحة المواطن المصري ، الذي بدأت ثمار التنمية تلامس حياته اليومية ولو تدريجيا.

وإذا كانت الأزمات قد كشفت نقاط ضعف العديد من الاقتصادات الناشئة فإن مصر استطاعت – وسط الأعاصير – أن تثبت جدارتها في إدارة الأزمات لا التراجع أمامها. الأزمة الروسية الأوكرانية موجات التضخم العالمية تغيرات سلاسل التوريد كلها تحديات كشفت عن صلابة الاقتصاد المصري وقدرته على امتصاص الصدمات دون أن يفقد توازنه.

وعندما تُراهن الشركات العالمية على السوق المصرية فإنها لا تراهن فقط على القدرة الشرائية بل على الفرص الواعدة في التصنيع، والطاقة، والتكنولوجيا، والسياحة، والخدمات المالية. فمصر أصبحت “أرضا استراتيجية” بمعناها الكامل: الموقع، والسوق، والعقول، والإرادة.

في النهاية مصر لا تسعى فقط لجذب الاستثمارات بل لبناء شراكات متكافئة تحفظ السيادة وتُقدّر الشريك. وهذا ما يجعلها وجهة جاذبة اليوم وركيزة استقرار في الغد.

ففي زمن تعاني فيه اقتصادات كبرى من التباطؤ والتراجع تقف مصر بثبات وتُراهن على المستقبل بثقة… لأن البوصلة ببساطة لا تكذب.

خالد حسين

رئيس مجلس إدارة موقع وجريدة أخبار السياسة والطاقة نائب رئيس مجلس إدارة موقع تقارير الأمين العام للجمعية العربية الأوروبية للتنمية المستدامة رئيس لجنة الإعلام بالجمعية المصرية للبيسبول والسوفتبول عضو بالمراسلين الأجانب عضو بالإتحاد الدولى للأدباء والشعراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى