مقالات وآراء

جولة السيسي الخليجية .. استثمار الثقة وتأسيس جبهة عربية متكاملة

كتب /شحاته زكريا

في لحظة حاسمة تشهد فيها المنطقة العربية تحولات متسارعة حملت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة والكويت أكثر من طابع الزيارات الدبلوماسية التقليدية، إذ مثلت انطلاقة جديدة لبناء شراكات استراتيجية تشكل معا رافعة للتنمية العربية المتبادلة. فقد بدت الجولة وكأنها إعلانٌ عملي عن «عهد جديد» في العلاقات العربية–العربية ، يضع الثقة كأساس للاستثمار والتنسيق السياسي والأمني.

منذ استقباله في مطار حمد الدولي ، بدا واضحا أن الدوحة اختارت أن تعبر عن التزامها القومي عمليا لا كلاميا. فالإعلان المفاجئ عن ضخّ 7.5 مليار دولار في مشروعات مصرية متنوعة بين بنية تحتية وصناعات غذائية واتصالات ، لا يقف عند سقف الأرقام فحسب بل يشير إلى رؤية استراتيجيةٍ مشتركة: رؤية تقر بأن السوق المصرية بوابــة فريدة لقارة تتعطش للاستقرار والفرص الاستثمارية.

وفي الكويت عاش السيسي تجسيدا آخر لهذه الرؤية المتبادلة. فقد اتفق البلدان على رفع حجم التبادل التجاري بنحوٍ يتجاوز 30% خلال العامين المقبلين مع التركيز على قطاعات الدواء والخدمات اللوجستية والسياحة البيئية. وفي لفتة نوعية ، أعلن الجانبان عن تأسيس صندوق «الصداقة الكويتية–المصرية» لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يمهِّد لإطلاق آلاف الفرص الوظيفية ويؤسس لقاطرة نمو تتقاسمها الأمة العربية جمعاء.

تنبع أهمية هذه الشراكات الجديدة من أنها لم تقتصر على الاقتصاد وحده بل امتدت لتغذية البعد السياسي والأمني. فقد وضعت المشاورات إطارا عمليا لتفعيل «آلية التنسيق الثلاثي» بين مصر وقطر والكويت في مجالات الطاقة والأمن البحري بما في ذلك خطط الطوارئ المشتركة لمواجهة تقلبات أسواق النفط والغاز ، وضمان أمن الممرات البحرية في البحرين الأحمر والبحر المتوسط. هذه الخطوة تبدو كفيلة بجعل هذه الدول نموذجا عربيا رائدا في إدارة الأزمات وتعزيز التضامن المصيري.

ولا يمكن فصل هذه الديناميكية عن الاهتمام الملفت بقضية فلسطين ، التي بقيت محور حبكة مشتركة لكافة المحادثات. إذ اتفق القادة على تهيئة بيئة عربيةٍ منسقة لإعادة إعمار غزة تتضمن دعما متضافرا في مجالات المياه والصحة والتعليم إلى جانب إشراك القطاع الخاص في إعادة تشغيل المنشآت المتضررة لضمان مشاركة حقيقية للمجتمع المدني في الرقابة والتنفيذ.

وبهدف تحصين هذا البناء على المدى الطويل تم التوافق أيضا على إطلاق برامج تبادلية للابتعاث والتدريب التقني بين الجامعات والمعاهد العليا في الدول الثلاث. فتطوير رأس المال البشري بات ركيزة لا غنى عنها في عصر الثورة الصناعية الرابعة وهو ما سيتيح لأجيال جديدة من المهندسين والعلماء والكوادر الفنية الفرصة للابتكار والمنافسة عالميا.

على وقع هذه التحولات أعلنت مصر مبادرة استضافة الدورة الأولى لـ«المنتدى العربي للاستثمار ومستقبل الصناعة» العام المقبل بالشراكة مع وزارتي الاقتصاد في الدوحة والكويت. وسيجمع المنتدى صناديق الثروة السيادية ورؤساء الشركات الكبرى لاستكشاف الفرص الاستثمارية في مصر وربطها باستراتيجيات «رؤية 2030» الخليجية ما يعزز التكامل بين خطط التنمية المحلية والإقليمية.

وفي المحصلة تؤكد جولة السيسي أن الدبلوماسية العربية أصبحت تنتقل من مرحلة «إعلان التضامن» إلى «ترجمة المصالح المشتركة» على أرض الواقع. لم تعد القضايا تُدار في أروقة الخطابات فقط ، بل في ساحات الاستثمار والتنسيق الأمني والمشروعات المشتركة. وفي ظل هذه الشراكة المتجددة يبدو أن العرب قد استشعروا أخيرا أن استثمار الثقة بعضهم ببعض هو المفتاح الأمثل لعبور تحديات العصر وبناء مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.

خالد حسين

رئيس مجلس إدارة موقع وجريدة أخبار السياسة والطاقة نائب رئيس مجلس إدارة موقع تقارير الأمين العام للجمعية العربية الأوروبية للتنمية المستدامة رئيس لجنة الإعلام بالجمعية المصرية للبيسبول والسوفتبول عضو بالمراسلين الأجانب عضو بالإتحاد الدولى للأدباء والشعراء

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى